إصلاحات اقتصادية ستساعد على تحقيق النمو المستدام والاشتمالي في إقليم كردستان العراق


إصلاحات اقتصادية ستساعد على تحقيق النمو المستدام والاشتمالي في إقليم كردستان العراق

يقترح تقرير لمجموعة البنك الدولي سلسلة من الإصلاحات لمساعدة إقليم كردستان العراق على إيجاد مخرج من التحديات الاقتصادية الصعبة التي يواجهها وهو يمضي نحو مستقبل اقتصادي أكثر استدامة وتنوعا. يذكر أن مجموعة من العوامل شكلت ضغوطا في الآونة الأخيرة على إقليم كردستان من بينها أزمة المالية العامة، والقرب من مناطق الصراع، وتدفق اللاجئين والنازحين داخليا.
وتعد خطة العمل المقترحة، والتي تحمل عنوان إصلاح الاقتصاد من أجل الرخاء المشترك وحماية الضعفاء، بمثابة مرشد اقتصادي لمساعدة واضعي السياسات على التصدي للتحديات الآنية وبعيدة المدى في إقليم كردستان العراق خلال السنوات الثلاث القادمة.


وقال فريد بلحاج، مدير إدارة المشرق بالبنك الدولي "يتمتع إقليم كردستان العراق بمواطن قوة وفرص من شأنها أن تخرج الاقتصاد من كبوته، منها المصادر الطبيعية الهائلة، والأراضي الزراعية الخصبة، وشعب شاب يتمتع بروح ريادة الأعمال، وموقع مركزي يقع على طرق التجارة الرئيسية مازال مستقرا نسبيا حتى الآن. كما أن لديها حكومة مصممة على تنفيذ الإصلاحات، ومجتمع من المانحين متشوق لتقديم يد العون."
يقترح البنك استراتيجية يمكن أن تخرج المنطقة من أزمتها المالية الحالية وتضع الاقتصاد تدريجيا على مسار متوازن ومستدام نحو النمو. ويتضمن ذلك تطبيق إصلاحات في الاقتصاد لتعزيز قدرات الإقليم على فصل نفقاته الأساسية عن التقلبات الخارجية في الإيرادات.
وقالت سبيل كولاكسيز، الخبيرة الاقتصادية الرئيسية بمؤسسة التمويل الدولية والرئيس المشارك لفريق العمل "إلى جانب إجراءات ضبط الموازنة والإصلاح الهيكلي، ينبغي تدعيم إطار الحماية الاجتماعية الذي تم استحداثه في الإقليم مؤخرا وإعادة تزويده بالأدوات للتصدي للأزمة الاجتماعية والإنسانية الحالية."
يبني التقرير على تقديرات تحليلية وفنية سابقة أجراها البنك الدولي، كما يستفيد من خبرة مؤسسة التمويل الدولية مع القطاع الخاص في إقليم كردستان العراق خلال السنوات القليلة الماضية.

وقالت رابتي جونسيكير، الخبير الاقتصادي الأول في مؤسسة التمويل الدولية التي شاركت في وضع هذا التقرير "التحديات كبيرة، إلا أن النتائج التي توصلنا إليها تبين أن إقليم كردستان العراق يمتلك مقومات اقتصادية ضخمة لتنويع اقتصاده من خلال تنمية القطاع الخاص، والاستفادة من الفرص الإقليمية غير المستغلة حتى الآن في القطاعات غير النفطية والتي ستعود بالخير على سكان الإقليم والمنطقة كلها. هذا الوضع يشكل مكسبا للجميع في العراق والدول المجاورة."
حدد إقليم كردستان العراق من قبل أهدافا واسعة لسياسته الاقتصادية. وكان في صدارتها، تنويع الاقتصاد بعيدا عن قطاع النفط.
ويعد تحقيق الاستقرار للاقتصاد دون زيادة الهشاشة الاجتماعية والسياسية الأولوية الآنية لإقليم كردستان العراق. فمنذ تفاقم الصراع في سوريا والعراق في منتصف عام 2014، أضاف تدفق 1.8 مليون لاجئ سوري ونازح عراقي المزيد من الضغوط على الموازنة وعلى القدرة على تقديم الخدمات. وارتفعت معدلات الفقر إلى الضعف في المجتمعات المحلية المضيفة للاجئين والنازحين بالإقليم، مع زيادة حدة الفقر بين اللاجئين والنازحين داخليا.
ويقدم إقليم كردستان العراق المنافع العامة للمنطقة بأسرها ويوفر الخدمات لسكانها الذين يزيدون باطراد. وقدرت دراسة أجراها البنك الدولي بالاشتراك مع وزارة التخطيط بإقليم كردستان العراق احتياجات تحقيق الاستقرار للاقتصاد في عام 2015 بنحو 1.4 مليار دولار.
وقال د.علي السندي، وزير التخطيط في الإقليم "نجاح هذه الإصلاحات، وقدرة المنطقة على التعامل مع العديد من الصدمات، سيحتاج إلى دعم شركاء الإقليم. إن حكومتنا ترحب بخارطة الطريق للإصلاح الاقتصادي وتلتزم تمام الالتزام بتطبيق الإصلاحات لضمان ضبط أوضاع المالية العامة على المدى القصير وتحقيق النمو المستدام والاشتمالي في إقليم كردستان العراق على المدى المتوسط، مع حماية أهلنا من تأثير الأزمات المتعددة من خلال اتخاذ إجراءات قوية للتخفيف من تأثيراتها الاجتماعية."

نص ورقة العمل بالكامل:
إقليم كردستان العراق إصلاح الاقتصاد من أجل تقاسم ثمار الرخاء والازدهار وحماية الضعفاء والمحرومين

 

1.     إقليم كردستان العراق (هه‌رێمی کوردستان) هو إقليم عراقي يقع شمال البلاد ويتمتع بحكم ذاتي وفقا لدستور العراق.  ويقع مقرحكومة إقليم كردستان في أربيل وهي تتمتع بموجب دستور العراق لسنة 2005 بالحق في ممارسة الصلاحيات والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية طبقا للدستور، فيما عدا الاختصاصات الحصرية التي تختص بها دستوريا السلطات الاتحاية. ويُعرّف الدستور العراقي إقليم كردستان ككيان اتحادي ضمن العراق. وتنتهج حكومة إقليم كردستان نظام الحكم البرلماني الديمقراطي القائم على المجلس الوطني الكردستاني(البرلمان) الذي يتكون من 111 مقعدا.

2.                 كان إقليم كردستان العراق مُحصّناً ضد انعدام استتباب السِّلم والأمن والصراعات التي ضربت بأطنابها في طول المناطق الأخرى وعرضها في أعقاب حرب العراق في عام 2003، مما أتاح لحكومة الإقليم فرصة تفعيل دور القطاع الخاص الآخذ في النمو والازدهار فضلا عن جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاعات النفطية وغير النفطية. ولكن بدءا من أواسط عام 2014، أدت عوامل انخفاض أسعار النفط وازدياد المخاطر والتهديدات الأمنية إلى تعرض الاقتصاد العراقي بما في ذلك الاقتصاد الكردستاني لضغوط شديدة ومكثفة في ظل وطأة الحاجة الماسّةإلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي على الفور وعلى المدى المتوسط للتحديات الماثلة التي نستعرضها في هذا التقرير. فقد تدهور المركز المالي للحكومة العراقية وتعاظمت التوترات السياسية وزادت التظاهرات والاحتجاجات الحاشدة مما يستوجب إجراء إصلاحات في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

3.                 تواجه حكومة إقليم كردستان سلسلة واسعة من التحديات الآنية والتحديات الأخرى المتوسطة والطويلة الأمد المرتبطة بطبيعتها بالأوضاع الاقتصادية الكلية العامة في العراق فضلا عن تأثير البيئة الإقليمية والعالمية. ويتمثل التحدي الفوري العاجل في مواجهة ومعالجة (أ) الأزمة المالية العميقة، (ب) المشكلات الأمنية والاجتماعية الناشئة عن جماعة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتدفق اللاجئين السوريين والنازحين والمشردين داخليا في العراق. وتُجسّد هذه التحديات أولويات عاجلة بصورة واضحة أمام حكومة إقليم كردستان العراق وهي تحديات تحمل في طياتها تأثيرات وتداعيات كبيرة على الصعيدين الوطني والدولي إذا لم تتم مواجهتها ومعالجتها بالصورة الكافية الملائمة. وتتعلق التحديات المتوسطة والطويلة الأجل بتخفيف الاعتماد على قطاع النفط وتحويل اقتصاد إقليم كردستان إلى اقتصاد متنوع يساند النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص ويُؤازر خلق الوظائف وفرص العمل بصورة قابلة للاستمرار والاستدامة.

4.                  مثلما هو الحال بالنسبة لبقية مناطق العراق، أحدثت الأزمة المالية والتحديات الأمنية التي نشأت بسبب متمردي داعش آثارا سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي في إقليم كردستان العراق. وتتسم الصدمة المالية بوطأتها الشديدة, وتعاملت حكومة إقليم كردستان مع هبوط الإيرادات عبر مزيج من تأجيل تنفيذ المشروعات الاستثمارية وتأخير المدفوعات بما في ذلك مدفوعات أجور ورواتب موظفي الحكومة، والاقتراض محليا من الشركات والبنوك الخاصة والأجنبية، إلى جانب الاقتراض من الخارج. وسوف يظهر أثر انخفاض الاستثمار في البنية التحتية على المدى المتوسط في هبوط إنتاجية القطاع الخاص ومزاحمة الاستثمار الخاص. كما تخلق متأخرات المدفوعات المستحقة لشركات النفط والمقاولين بيئة أعمال محفوفة بعدم اليقين والاحتمالات المجهولة. ويؤدي ذلك بدوره إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي والمحلي. كما سبّب متمردو داعش ضغوطا كبيرة على الحكومة الكردستانية من خلال الاضطرار إلى زيادة الإنفاق على الأمن ومواجهة تدفق اللاجئين والنازحين المشردين داخليا.

5.     لمواجهة القضايا الهيكلية القصيرة والمتوسطة إلى الطويلة الأمد، طلبت الحكومة مساندة من البنك الدولي لوضع وتنفيذ خارطة طريق الإصلاح الاقتصادي الهيكلي. ويأتي هذا التقرير استجابةً للطلب الرسمي المقدم من معالي السيد نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء إقليم كردستان العراق في رسالته الموجهة إلى الدكتور جيم كيم يونغ رئيس مجموعة البنك الدولي في فبراير/شباط 2016 التي يطلب فيها الشراكة من أجل النمو والتنمية لمواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية. وفي سياق الاستجابة لطلب الحكومة الكردستانية، يعرض هذا التقرير خيارات مقترحة للإصلاح في مجال تصحيح وضبط أوضاع المالية العامة وتنويع الاقتصاد وتدابير تخفيف الآثار الاجتماعية المناوئة من أجل حماية الفئات الضعيفة والمحرومة من آثار الصدمات والهزات الخارجية. ويُتوقع أن يسترشد واضعو السياسات في الحكومة الكردستانية بخارطة الطريق المقترحة للإصلاح الاقتصادي في معالجة التحديات الآنية والمتوسطة إلى الطويلة الأمد التي يواجهها الإقليم في سياق التعرّض للمخاطر والآثار السلبية التي يواجهها العراق ككل. ويبني هذا التقرير على التقييمات التحليلية والفنية المستفيضة التي أجراها البنك الدولي في إطار الدراسة التشخيصية للنمو الاقتصادي في إقليم كردستان العراق إلى جانب تقديم المساعدة الفنية لإصلاح برامج الحماية الاجتماعية وتحديث نظام المشتريات الحكومية. كما يستفيد هذا التقرير من خبرات مؤسسة التمويل الدولية في العمل مع القطاع الخاص في إقليم كردستان على مدى الأعوام القليلة الماضية لتحديد الإصلاحات الضرورية لمساعدة الحكومة على الانتقال إلى المستوى التالي لاجتذاب استثمارات القطاع الخاص اللازمة في سياق البيئة المحلية والإقليمية المحفوفة بالتحديات. وفي مجال الإصلاح الاقتصادي الهيكلي، تحتاج الحكومة إلى خارطة طريق اشتمالية يمكن استخدامها كمظلة إطارية لإجراءات الإصلاح على المدي القصير إلى المتوسط. وقد وضعت وزارة التخطيط أهدافا عريضة كمبادئ توجيهية يُسترشَدُ بها في تطبيق إستراتيجية حكومة إقليم كردستان العراق حتى عام 2020: رؤية من أجل المستقبل وكذلك في تنويع الاقتصاد الكردستاني بعيدا عن الاعتماد المفرط على قطاع النفط بوصفه هدفا محوريا ضمن هذه الأهداف والغايات. والواقع أن نجاح هذه الإصلاحات وتفعيل القدرة على مواجهة الصدمات والهزات المتعددة يتطلبان المساندة من قبل شركاء حكومة إقليم كردستان. ويمثل هذا التقرير المرحلة الأولى للمساعدة التي يمكن أن يقدمها البنك الدولي للحكومة في تصميم وتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها. ومن المتوقع أن يتم في المرحلة الثانية للمساعدة الفنية مساندة الحكومة في مجالات التنفيذ. علما بأن الحكومة قد شرعت بالفعل في تطبيق تدابير تقشفية منها ما يتعلق بفاتورة الأجور وإصلاح إعانات دعم الأسعار والخدمات.

الأوضاع الأساسية: القضايا الهيكلية والأزمات الأخيرة المتعددة
على غرار بقية أنحاء العراق، يتسم اقتصاد إقليم كردستان العراق بالاعتماد الشديد والمفرط في المجالات الأربعة التالية:

        I.            الاعتماد المفرط على قطاع النفط. يتسم الاقتصاد الكردستاني بالاعتماد الشديد، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على قطاع النفط. وعلى الرغم من إجراء سلسلة من المفاوضات، إلا أنه لم يتم تسوية الخلاف مع الحكومة المركزية بشأن نصيب الإقليم من إيرادات النفط والتحويلات من الموازنة العامة. فإيرادات الصادرات النفطية التي تتلقاها الحكومة الكردستانية من الحكومة المركزية كتحويلات من الميزانية (والتي تم تعليقها مؤخرا) كانت تشكل حوالي 85 في المائة من إيرادات المالية العامة لإقليم كردستان. ومع ذلك، فإن النصيب المقدر لقطاع النفط لا يتجاوز 1 في المائة فقط من العمالة والتوظيف في إقليم كردستان. وبذلك، أصبح الاعتماد على قطاع النفط بهذا المستوى المرتفع بمثابة "المرض الهولندي" لا سيما في أوقات ارتفاع أسعار النفط. وإذا أضفنا البيئة الصعبة لتنمية أعمال القطاع الخاص، وتشكيل المهارات غير المتقدمة بالمستوى المرغوب، وقوة الحوافز الدافعة لسعي الناس إلى الحصول على وظائف في القطاع العام، فإن ذلك كله يقوّض قدرة القطاعات الأخرى على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية ويحُولُ دون تطوير القطاع الخاص والإنتاج المحلي في قطاعات التبادل التجاري والصادرات.

أدى هذا الاعتماد الشديد على النفط إلى خلق ما يُعرف " بالدولة الريعية" [الدولة الريعية هي الدولة التي تستمد كل إيراداتها الوطنية أو جزءا كبيرا منها من بيع أو تأجير مواردها الأصلية للعملاء الخارجيين]، ودورة انتعاش وكساد الأعمال وبيئة الأعمال المحفوفة بالاحتمالات المجهولة وانعدام اليقين. علما بأن فترة الانتعاش قد حجبت المشكلات الهيكلية التي تواجهها حكومة إقليم كردستان. فنظرا لوفرة الأموال في الفترات الماضية، لم تكلّف الحكومة نفسها عناء التفكير في تحديد المشكلات الهيكلية ومعالجتها. ولكن فترة الكساد الراهنة أدت إلى ظهور جميع المشكلات الهيكلية بصورة واضحة عياناً بيانا.[1]

      II.            الدور المفرط الذي يلعبه القطاع العام في الاقتصاد. يهيمن القطاع العام على اقتصاد إقليم كردستان العراق. وتبلغ نسبة الإنفاق العام لحكومة إقليم كردستان إلى إجمالي الناتج المحلي  أكثر من 50 في المائة مقابل 61 في المائة للعراق ككل. والحكومة الكردستانية هي جهة التوظيف الرئيسية حيث يبلغ نصيبها أكثر من 50 في المائة من إجمالي العمالة (26 في المائة من العمالة في القطاعات غير العسكرية). وكما هو الحال في بقية مناطق العراق، تشكل مدفوعات الرواتب ومعاشات التقاعد والمساعدات الاجتماعية وإعانات الدعم (للكهرباء والوقود والإمداد بالمياه والزراعة) أكثر من 50 في المائة من الميزانية. وتمثل الضرائب 4.7 في المائة فقط من إجمالي الإيرادات. ونتيجة لذلك، يعد الإنفاق العام المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. وهنالك مشكلة كبيرة في ارتفاع تقلب الإنفاق العام الذي يُترجم إلى ارتفاع تذبذب النمو من خلال مضاعف الرفع  المالي.[2]  وينشأ تقلب الإنفاق بدوره من تقلب إيرادات الحكومة الكردستانية التي تشهد تغيرات كبيرة انعكاسا للتقلبات في أسعار النفط وتوقف عمليات إنتاج ونقل النفط بسبب الصراعات والأهم من   ذلك الخلاف مع الحكومة المركزية بشأن حصة الإقليم من الإيرادات النفطية. وعلى الرغم من  قوة روح وإمكانات الريادة في الأعمال، إلا أن القطاع الخاص المحلي في إقليم كردستان هو قطاع صغير وغير متطور بسبب المزاحمة الكبيرة من قبل القطاع العام.

    III.            الاعتماد على الواردات. نظرا لطبيعة عدم التنوع النسبي للاقتصاد العراقي عموما، ثمة فجوة كبيرة بين الطلب على منتجات سلع التبادل التجاري والإنتاج المحلي منها في إقليم كردستان العراق (تمثل الصادرات الهيدروكربونية حوالي 95 في المائة منإجمالي سلة الصادرات العراقية – وهي النسبة الأعلى من نوعها بين فئة الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل المصدرة للسلع). ويتم سد هذه الفجوة بالواردات التي تمثل حوالي 90 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. وينحصر الإنتاج المحلي في تجزئة المنتجات المستوردة، وسلع التبادل التجاري صغيرة الحجم، وخدمات أخرى تشمل الخدمات العامة المتضخمة. أما صادرات السلع المنتجة فمحدودة للغاية. علما بأن هذه هي السمة النمطية المعتادة التي يختص بها الاقتصاد الريعي. ويتفاقم ذلك الوضع بسبب ضعف السياسات خلف الحدود. ومن الصعب في ظل نظام السياسات الراهنة أن تتنافس الأعمال المحلية مع الواردات سعيا لتحقيق التنوع والنمو.

   IV.            ضعف النظام المالي والاعتماد على الاقتصاد النقدي. تمس الحاجة إلى وجود نظام مالي اشتمالي متسم بالكفاءة من أجل تنمية وتطوير القطاع الخاص. فمن شأن النظام المالي المتطور بصورة جيدة أن يتيح التمويل اللازم لزيادة الاستثمارات المطلوبة لأعداد كبيرة من الناس. ولكن القطاع المالي في إقليم كردستان العراق يفتقر إلى التطور لعوامل منه ضعف البنية الأساسية المالية وضعف الوصول إلى التمويل وخاصة من جانب الشركات الصغيرة والمتوسطة. وثمة تفضيل قوي لاستخدام النقد في معاملات الأعمال. ويعتمد حوالى 3 في المائة من الشركات على القطاع المصرفي في تلبية احتياجات الاستثمار ورأس المال العامل (مقابل نسبة تزيد على 20 في المائة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). ويمكن تفسير ذلك جزئيا من خلال المناخ السائد لعدم الثقة في القطاع المصرفي بسبب الاضطرابات المالية المتكررة وانعدام الاستقرار في  الإقليم.

تفاقمت هذه التحديات الهيكلية بفعل سلسلة من الصدمات والهزات في الآونة الأخيرة:

·         الصراع مع داعش منذ أواسط عام 2014 على بعد 13 ميلا من أربيل؛
·         تدفق 1.8 مليون من اللاجئين السوريين والنازحين العراقيين المشردين داخليا مما أدى إلى زيادة سكان إقليم كردستان العراق بنسبة 28 في المائة؛
·         الانخفاض الحاد في الأسعار الدولية للنفط من 115 دولارا للبرميل في يونية/حزيران 2014 إلى 35 دولارا للبرميل في ديسمبر/كانون الأول 2015 مما يعني هبوط الإيرادات من المبيعات المباشرة؛
·         هبوط حاد في تحويلات الإيرادات من الحكومة المركزية حيث انخفضت من 12 مليار دولار في عام 2013 إلى حوالي مليار دولار في عام 2014 ثم جرى تعليق هذه التحويلات في يونية/حزيران 2015.[3]

6.                  فرض ازدياد تدفق اللاجئين السوريين والمشردين العراقيين النازحين داخليا إلى إقليم كردستان العراق مزيدا من الضغوط الإضافية على الميزانية وتقديم الخدمات العمومية. إذ أدت هذه التدفقات البشرية الكبيرة إلى تقييد شديد لقدرة الحكومة على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات برامج الحماية الاجتماعية للسكان المتزايدة أعدادهم في الإقليم. وتدهور مستوى المعيشة للسكان ووقع الكثير من الناس، أو أوشكوا على الوقوع، في براثن الفقر. ونتيجة لهذه الأزمات المتعددة، تضاعف معدل الفقر في المجتمعات المحلية الكردستانية المضيفة – وكانت أكبر زيادة سكانية في دهوك التي شهدت أكبر موجة تدفق للمشردين داخليا النازحين إليها. وبتضمين النازحين داخليا واللاجئين، زاد معدل الفقر بصورة أكثر ارتفاعا: حيث زادت نسبة الفقر في الإقليم إلى 12.5 في المائة في عام 2014. علما بأن أكثر من 75 في المائة من اللاجئين والمشردين داخليا هنّ من النساء والفتيات اللواتي يتسمن بالضعف الشديد وقلة الحيلة. وتقوم الحكومة الكردستانية بتقديم السلع العامة لعموم الإقليم فضلا عن تقديم الخدمات إلى اللاجئين والمشردين. ثمة احتياجات كبيرة لهؤلاء المشردين واللاجئين لا يمكن تلبيها بصورة كافية في ظل الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة الكردستانية. وطبقا لدراسة مشتركة بين البنك الدولي ووزارة التخطيط في حكومة كردستان صادرة بعنوان "إقليم كردستان العراق: تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للصراع السوري وداعش"، جرى تقدير احتياجات استقرار أوضاع المشردين داخليا واللاجئين السوريين بنحو 1.4 مليار دولار في عام 2015.

تنويع الاقتصاد الكردستاني: الخطوط الرئيسية العريضة للإصلاح الاقتصادي الهيكلي في إقليم كردستان العراق
7.                 تُلقي إستراتيجية إقليم كردستان العراق 2020: رؤية من أجل المستقبل نظرة شاملة على الإصلاحات الهيكلية اللازمة للإقليم. تدعو هذه الرؤية المطروحة في عام 2013 إلى "إقليم كردستان العراق حيث يتمتع جميع الشعب بمزايا ومنافع الحرية والصحة والرفاه والأمن الاقتصادي والفرصة". وتحدد الرؤية الأولويات على صعيد السياسات في أربعة مجالات هي: الناس أولا (من حيث الصحة والتعليم والاشتمال والعمل)؛ وبناء الإقليم (البنية التحتية)؛ وخلق إقليم ينعم بالرخاء والازدهار الاقتصادي(الزراعة، والقطاع الخاص، وحماية البيئة)؛ وعمل الحكومة من أجل الشعب (الكفاءة والفعالية، والشفافية، والمسؤولية المالية، وإصلاح الخدمة المدنية). وبإعدادها هذه الرؤية، وضعت الحكومة الكردستانية الأساس الذي يجب أن يُبنى عليه أي إصلاح اقتصادي هيكلي في الإقليم.

8.                 تلتزم حكومة إقليم كردستان العراق بإجراء إصلاحات هيكلية كبيرة لضمان استقرار أوضاع المالية العامة وتحقيق النمو الاشتمالي القابل للاستدامة في الإقليم. يواجه الإقليم تحديات متعددة بيد أنه ينعم أيضا بفرصة المضي قدما إلى الأمام في إجراء الإصلاحات التي طال انتظارها وتنويع الاقتصاد. فتدهور عجز المالية العامة يعرّض الإقليم لمخاطر كبيرة ويتطلب تعزيزا تدريجيا للمركز المالي باحتواء زيادة النفقات والمصروفات وتحسين توليد الإيرادات. وسوف تغتنم حكومة الإقليم فرصة إصلاح الاقتصاد لمعالجة القضايا الهيكلية المستمرة. والحكومة ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات الحرجة التي تمس الحاجة إليها وتتراوح من إصلاحات دعم الأسعار والخدمات والعمالة في القطاع العام إلى إصلاحات القطاع المالي وقطاع الطاقة. وسوف تسهم هذه الإصلاحات في رفع درجة الكفاءة في الإنفاق العام. وعلاوة على ذلك، من شأن الإصلاحات الاقتصادية العميقة بغية تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط أن تساعد على تشجيع تنمية القطاع الخاص وخلق الوظائف وفرص العمل.

9.                 إعادة توازن القطاع العام مسألة ضرورية للتكيف مع الاحتمالات المجهولة والتقلبات المحيطة بتحويلات الإيرادات من ميزانية الحكومة المركزية ولمساندة تنويع الاقتصاد بقيادة القطاع الخاص. يجب أن تكون الإستراتيجية التي تتوخى إخراج الإقليم من براثن الأزمة المالية ووضع الاقتصاد تدريجيا على مسار النمو المتوازن القابل للاستمرار إستراتيجية قائمة على مرتكزين رئيسيين تؤازرهما سياسات هيكلية. وهذان المرتكزان هما تحقيق استقرار أوضاع الماليةالعامة من أجل الاستقرار الاقتصادي الكلي؛ ووضع أسس النمو الاشتمالي القابل للاستمرار. ويجب أن تطبق الحكومة إصلاحات مالية من شأنها تعزيز قدرة المالية العامة على إبقاء النفقات والمصروفات الأساسية بمعزل عن أثر تقلبات الإيرادات المالية وتحسين مصداقية الميزانية وقابليتها للاستمرار على المديين المتوسط والطويل.

10.             يشمل تصحيح أوضاع المالية العامة النفقات والمصروفات واتخاذ تدابير في جانب الإيرادات. وتتضمن إصلاحات جانب الإنفاق ترشيد وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بما في ذلك إعانات الدعم الموجهة وخفض العمالة الزائدة في الخدمة المدنية مع القيام في الوقت ذاته بتهيئة هؤلاء العمال للعمل في القطاع الخاص من خلال إعادة التدريب وانتهاج سياسات أخرى مباشرة بشأن سوق العمل.  وتؤدي هذه الإصلاحات إلى زيادة إنتاجية الإنفاق العام وحشد الاستثمار الخاص لمساندة التنويع الاقتصادي. وتتطلب إعادة التوازن إعادة توزيع النفقات والمصروفات العامة نحو البنية التحتية (التي لا تتجه إليها الاستثمارات والتمويلات الخاصة أو حيثما لا توجد سلامة تجارية للاستثمارات الخاصة)، والتعليم، والخدمات الصحية التي يمكن تحقيقها عبر إعادة هيكلة إعانات دعم الأسعار وإعادة تحديد حجم العمالة في القطاع العام. وقامت الحكومة فعليا بتدشين تصحيح غير مسبوق لأوضاع المالية العامة بما يعادل 37 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في أقل من 3 سنوات عن طريق خفض نصف نفقاتها تقريبا. وفي جانب الإيرادات، يجب زيادة الإيرادات المتحصلة من المصادر المختلفة في الإقليم للوقاية من أثر التقلب في أسعار النفط وتقلب التحويلات من ميزانية الحكومة المركزية. وثمة حاجة أيضا إلى تعزيز التصحيح المالي من خلال تقوية نظام الإدارة المالية العامة والبدء باستئناف الميزانيات السنوية واعتمادها من السلطة التشريعية في الإقليم (وهو مطلب دستوري) من أجل استعادة دورة المساءلة التي يعتمد عليها تحسين الرقابة والإدارة المالية، والإبلاغ وإعداد التقارير، والمشتريات، والمحاسبة، والتدقيق والمراجعة الخارجية.

11.             ثمة ضرورة بالغة لربط الإستراتيجيات القطاعية بتخصيص الموارد.  للتكيف مع تقلب أوضاع المالية العامة وعملية الموازنة التي لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، ينبغي عدم ربط تخطيط النفقات والمصروفات متوسطة الأمد بتقديرات التحويلات قصيرة الأجل. ويتطلب ذلك إطارا متوسط الأمد للمالية العامة يمكن أن يتطور بدوره إلى إطار كامل متوسط الأمد للنفقات والمصروفات لأغراض التوجيه والاسترشاد في عمليات الموازنة السنوية. ويجب أن يستند هذا الإطار إلى تحديد الاحتياجات الضرورية، وتطبيق بعض المعايير المتفق عليها بشأن تخصيص النفقات والمصروفات الأساسية في الميزانية، والقدرة المالية لحكومةالإقليم. ومن شأن إطار المالية العامة وإطار النفقات في الأمد المتوسط أن يضمنا جودة واستدامة مستويات الإنفاق من خلال التأكد من إتمام تنفيذ المشروعات الرأسمالية حسب المخطط والمرصود في الميزانية بدلا من جعل استكمال تنفيذ تلك المشروعات عُرضة لتقلبات الإيرادات النفطية والتحويلات من ميزانية الحكومة المركزية.

12.             في المدى المتوسط، يمثل تحفيز أنشطة القطاع الخاص في القطاعات غير النفطية هدفا أساسيا للحكومة. ولتحقيق هذا الهدف، من الأهمية بمكان تهيئة بيئة التمكين الإيجابية لأنشطة الأعمال مقترنة بدعم الريادة في الأعمال (وخاصة للشباب) والمساندة على مستوى الشركات لتحسين الإنتاجية والجودة النوعية والابتكار والوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية. وثمة ضرورة قصوى أيضا لوضع السياسات والبرامج الكفيلة بتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من النمو. ومن المهم في الوقت ذاته تشجيع الشركات الكبيرة على أن تصبح قادرة على المنافسة في كل من الأسواق المحلية والعالمية ويُحبذ أن يتم ذلك في سياق الشراكة مع الاستثمار الأجنبي المباشر و/أو القطاع الخاص. ويمثل بناء قطاع خاص قوي ومتنوع وقادر على المنافسة هو هدف اقتصادى حيوي حسبما تمت مناقشته في الرؤية لسنة 2020.  ويمكن استخدام عدد كبير من أدوات السياسة التكميلية في عدة مجالات مختلفة في فترة زمنية ممتدة لتحقيق هذا الهدف. ويتضمن البرنامج القائم على التسلسل وتحديد الأولويات (أ) إصلاح القوانين والتشريعات التي يؤدي تطبيقها إلى صعوبة إنشاء الشركات وتشغيلها وتصفية وإغلاق أنشطة الأعمال؛ (ب) تجريب وزيادة إجراءات التدخل اللازم لتشجيع ريادة الأعمال وخاصة في أوساط الشباب؛ (ج) زيادة إجراءات التدخل على مستوى الشركات فيما يتعلق بتحسين جودة المنتجات والخدمات ودعم الابتكار بأن يكون هذا النهج جزءا من سلسلة القيمة المحلية أو العالمية؛ (د) بناء مؤسسة قوية للمناصرة والضغط من أجل تنمية القطاع الخاص؛ (هـ) زيادة كفاءة الحدود لتحقيق نمو تجارة العبور (الترانزيت)؛ (و) وضع وتنفيذ برنامج فعال للتعليم والتدريب الفني والمهني؛ (ز) زيادة القدرة على الوصول إلى التمويل وخاصة لصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ (ح) تحسين خدمات البنية الأساسية (لا سيما الكهرباء).

13.             ثمة حاجة إلى تقوية القطاع المالي في الإقليم حتي يساهم في تنمية وتطوير القطاع الخاص. على الرغم من العدد الكبير للبنوك العاملة في الإقليم، فإن القطاع المصرفي مازال غير متطور حتى الآن. فالقطاع لا يقوم بوظيفته الأساسية في توجيه موارد مالية إلى القطاع الخاص من أجل دعم تنميته وتطويره. والبنوك ليست منهمكة في أداء وظيفتها الأساسية في تقديم القروض إلى القطاع الحقيقي لاقتصاد الإقليم أو تمويل مشروعات الاستثمار طويلة الأجل. وكمعيار قياسي بسيط، يتطلب تغيير نسبة الائتمان الخاص إلى إجمالي الناتج المحلي من 2 في المائة حاليا في الإقليم إلى المتوسط الخاص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغة نسبته 50 في المائة، تحتاج البنوك إلى تقديم ائتمانات قدرها 15 تريليون دينار عراقي (13 مليار دولار) إلى القطاع الخاص في الإقليم. ولكن بنوك الإقليم تواجه أزمة سيولة شديدة في الوقت الحاضر مما أدى إلى العجز وانعدام القدرة في العمليات المصرفية وأسفر عن آثار سلبية على اقتصاد الإقليم. ويتفاقم الوضع الحالي بسبب ضعف الإشراف والرقابة على القطاع المصرفي لأن وظائف البنك المركزي تأتي في مرتبة أدنى من التحكم والرقابة المباشرة من جانب وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة الكردستانية.

آفاق النمو والتنمية في إقليم كردستان العراق

14.             يمكن أن تؤدي الخدمات دورا مهما في جهود التنويع الاقتصادي. فالخدمات مقومات أساسية في أي شكل من أشكال الإنتاج فضلا عن كونها مكونا رئيسيا في إمكانات الربط والاتصال في الإقليم، وهي بذلك مُحدِّدٌ مهم لتنافسية الإقليم وقدرته على الانضمام إلى والصعود في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية. ويمكن أيضا أن تصبح الخدمات مصدرا مهما للصادرات خارج نطاق قطاع النفط والغاز على غرار نماذج في المنطقة إلى جانب توفير الوظائف وفرص العمل خارج مِلاك القطاع العام. ونظرا لكون الإقليم محاطا باليابسة من كل الجوانب، فإنه بذلك يكون أكثر اعتمادا على الخدمات؛ ويمكن تحويل هذا الوضع إلى فرصة تتيح للإقليم أن يصبح ساحة للترانزيت وتقديم الخدمات في المنطقة على أساس حدوده المشتركة مع أسواق محتملة كبيرة. وبصفة خاصة، يمكن أن يغدو الإقليم بوابة لتقديم طائفة كبيرة من الخدمات في المناطق الأخرى في العراق. ولذلك، يتيح هذا الوضع فائدة جمة لكل الأطراف في عموم العراق. ولكن ذلك يتطلب أن يقوم إقليم كردستان أولا بإزالة عدد من الحواجز المتبقية الماثلة أمام تجارة الخدمات لأن هذه التجارة تتم بشكل رئيسي على المستوى المتوسط وداخل نطاق الشبكات العالمية. كما يتطلب الأمر استعادة بعض اليقين القانوني، وتكييف القوانين والتشريعات الحديثة، وبناء القدرات (المهارات والمعايير القياسية والبنية التحتية). وفيما يتجاوز نطاق البُعد الاقتصادي، فإن إصلاح الإطار التنظيمي وتحسين الخدمات المقدمة في الإقليم سيؤديان بادئ ذي بدء إلى تحقيق منافع للسكان المحليين نظرا لوجود فجوات كبيرة مثل الفجوة في قطاعي الصحة والتعليم على سبيل المثال.

15.             يمكن تحسين الربط والاتصالات في الإقليم عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدمات النقل. ثمة منافع تكميلية يمكن تحقيقها من تجارة خدمات تكنولوجيا المعلومات بالإضافة إلى المنافع المتأتية من تحسين خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كمنصة إيجابية للتجارة. وبالإضافة إلى كونها قطاعا مهما في الاقتصاد، فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصة النطاق الترددي الواسع، تعتبر عاملا قويا لتفعيل تنمية التجارة. ويكمن الدور التحويلي للتكنولوجيات الرقمية في قدرة الإقليم على خلق الوظائف وفرص العمل، وتنويع الاقتصاد، وزيادة الكفاءة والقدرة التنافسية للقطاع الخاص. وللاستفادة من هذه الإمكانات، تحتاج حكومة الإقليم بالتنسيق مع السلطات المركزية في بغداد إلى تشجيع تطوير شبكات الإنترنت فائقة السرعة وسوق تكنولوجيا المعلومات عبر سلسلة من الإجراءات والإصلاحات التنظيمية. ويشمل ذلك (أ) فتح السوق أمام المنافسة من خلال إصدار الرخص الجديدة، وسياسات الوصول المفتوح، ونماذج العرض الجديدة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتقاسم خدمات البنية الأساسية؛ (ب) تعزيز قدرات الرصد والمتابعة والصلاحيات التنظيمية لوزارة النقل والمواصلات؛ (ج) تفعيل الموقع الجيوسياسي لجعل إقليم كردستان وبقية مناطق العراق مركزا للربط والاتصالات الدولية لخدمة أسواق الإنترنت الإقليمية والدولية؛ (د) وضع إستراتيجية وطنية لتكنولوجيا المعلومات من أجل معالجة أوجه الضعف في العرض والطلب على خدمات تكنولوجيا المعلومات؛ (هـ) تحفيز الإبداع والابتكار في تطوير محتوى اللغة الكردية. واستنادا إلى الموقع الجيوإستراتيجي الجيد بالإضافة إلى خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تلعب شبكة النقل دورا مهما للغاية في التنمية الاقتصادية للإقليم. وتعتمد قطاعات النقل في الإقليم بشكل رئيسي على الطرق التي تمثل قطاع النقل الأكثر تطورا، ولكن قطاع الطرق لا يتمتع بإمكانات الربط الجيد ولا بالمستوى الملائم للصيانة الواجبة. وبالإضافة إلى هذا القطاع، ثمة حاجة كبيرة إلى النهوض بقطاع النقل الجوي. ويفتقر قطاع السكك الحديدية والمراكز اللوجستية إلى التطور مما يعيق قدرة الإقليم على الاستفادة من الفرص الاقتصادية في المنطقة. وعلاوة على ذلك، يعاني قطاع النقل من التشريعات التي عفا عليها الزمن. وثمة ضرورة لتنفيذ إصلاحات الجمارك وتسهيل التجارة من أجل تعزيز التعاون بين البلدان المجاورة. ولذلك، فإن تحسين النقل وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتيح للإقليم استخدام إمكاناته الكبيرة في أن يصبح مركزا محوريا للنقل والخدمات اللوجستية للمنطقة بأسرها على أساس القرب من الأسواق الرئيسية والوضع الجيوسياسي الآمن نسبيا في الإقليم.

16.             من شأن إصلاحات قطاع الكهرباء أن تفضي إلى تقليل العبء المالي، وتعزيز تجارة الطاقة، وتحسين تقديم خدمات الكهرباء.  على الرغم من توسيع طاقة توليد الكهرباء مرات عديدة في الإقليم على مدى العقد الماضي باستخدام استثمارات القطاع الخاص، فإن هذا القطاع مازال  متسما بالمعاناة من العبء المالي الثقيل الناتج عن إعانات دعم الأسعار والاعتماد على أنواع الوقود السائل المرتفع التكلفة في ظل نقص الغاز الطبيعي، واختناقات النقلن وارتفاع الخسائر الفنية والتجارية، وانخفاض التعرفة، وضعف القدرة المؤسسية، وضعف الجودة النوعية للإمداد بالكهرباء. ونقترح إستراتيجية من ثلاثة محاور للتصدي للتحديات العاجلة والطويلة الأمد في قطاع الكهرباء في إقليم كردستان: (أ) تبني إطار قانوني وسياسي وتنظيمي إيجابي يستند إلى أدوار وصلاحيات واضحة للكيانات المختلفة. ويتضمن هذا الإطار سن قانون جديد للكهرباء، وإيجاد جهة مستقلة لتنظيم القطاع، والفصل بين مكونات التكامل الرأسي للقطاع، وإسباغ الصفة التجارية على كيانات القطاع وخصخصتها في نهاية المطاف؛ (ب) تنفيذ استثمارات البنية الأساسية البالغة الأهمية لضمان المستويات الملائمة والكافية لتوافر الكهرباء، والموثوقية، والحد من الخسائر، وتجارة فائض الكهرباء مع المناطق المجاورة في العراق وتركيا. ونظرا للقيود المحيطة بأوضاع المالية العامة، فإنه من المتوقع أن يتطلب الأمر استخدام موارد القطاع الخاص. ومع ذلك، ثمة حاجة إلى التزام جانب العناية والحيطة في إجراء استثمارات القطاع الخاص لضمان أن يفضي الأداء الحالي للقطاع إلى جذب أسعار فائدة ملائمة للقطاع الخاص وتحقيق زيادة كافية في القدرة المؤسسية والإطار القانوني والسياسي والتنظيمي من أجل إدارة النظام الإيكولوجي المعقد؛ (ج) اتخاذ التدابير اللازمة لدعم تحسينات الأداء والمساءلة. ويشمل ذلك الترشيد النظامي لتعريفة استهلاك الكهرباء وتنفيذ برنامج مركز للحد من الخسائر وتحسين الإيرادات. وبينما تعتبر الخصخصة الكاملة لأعمال التوزيع عملية معقدة، إلا أنه يمكن تحقيق الحد من الخسائر وتعزيز الإيرادات من خلال إبرام عقد مُهيْكل جيدا مع القطاع الخاص لإدارة خدمات الفواتير والتحصيل. وبالإضافة لذلك، من شأن عوامل الإطار الواضح على صعيد السياسة، والبرنامج النشط لكفاءة استخدام الطاقة، والحفاظ على الطاقة، والطاقة المتجددة أن تساعد في احتواء الطلب المتنامي على الكهرباء.

17.             تتيح الزراعة فرصة أمام إقليم كردستان، وسوف يرتبط تطوير هذا القطاع بالاحتياجات المختلفة إلى الاستثمار والعمالة. تعرض قطاع الزراعة في إقليم كردستان للعديد من الهزات والصدمات على مدار الثلاثين سنة الماضية، بما في ذلك الواردات الغذائية المنخفضة الأسعار في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، والوفرة النفطية (التي نقلت الموارد من قطاع الزراعة إلى القطاع العام وقطاع التشييد والبناء). ولتحقيق بداية انطلاقة جديدة للقطاع بالإضافة إلى المشروعات الاستثمارية الزراعية المطلوبة، يتعين على حكومة الإقليم العمل على الجبهات التالية: (أ) البدء في تحسين البيانات بما في ذلك إجراء مسح زراعي، وتجميع بيانات الأسعار، إعداد خرائط التربة والمياه بالإضافة إلى إنشاء سجل للأراضي؛ (ب) إعادة النظر في إعانات دعم الأسعار، والضرائب، وحظر الواردات، ورسوم إصدار التراخيص؛ (ج) إيجاد آلية فعالة للبحث والإرشاد الزراعي بالتنسيق مع وزارة الزراعة والموارد المائية ومحطات البحوث القائمة وكليات الزراعة. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي برنامج إعادة التأهيل الزراعي إلى توليد نشاط اقتصادي محلي بالإضافة إلى توظيف العمالة.
18.             ثمة حاجة إلى تنفيذ استثمارات في قطاع المياه من أجل الوصول إلى استخدام الموارد المائية بصورة أكثر قابلية للاستمرار والاستدامة. أصبح نقص المياه من الظواهر الشائعة بصورة متزايدة. ويواجه قطاع المياه تضاؤل الإمدادات نتيجة لصغر حجم التدفقات المائية إلى الإقليم وتدهور نوعية المياه. ومع ذلك يتزايد الطلب بشكل سريع على المياه من جانب قطاع الزراعة والأسر المعيشية وقطاع الصناعة (شاملا قطاع النفط). وبالإضافة لذلك، ثمة حاجة إلى المياه لتغذية قطاع الطاقة الكهرومائية والتدفقات البيئية. ومن المحتمل أن يتزايد نقص المياه بمرور الوقت لأن البلدان المشاطئة في أعالي الأنهار تخطط لتطوير المزيد من التجهيزات المائية الأساسية مما يجعل إقليم كردستان عرضة لمخاطر وآثار سلبية متزايدة. وبذلك، فإن مزيج السياسات الهادفة إلى معالجة الفجوات بين العرض والطلب يعتمد على مجموعة من العوامل الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والفنية. وفي مقدور حكومة الإقليم أن تقوم بسد هذه الفجوات من خلال إجراء التعديلات والتصحيحات اللازمة لتضمين إستراتيجيات إدارة العرض في نهج متكامل يعالج أيضا القضايا في جانب الطلب. ولجني ثمار الاستثمارات الكبيرة المنفذة لتنمية الموارد المائية، نوصي بأن تقوم الحكومة باستحداث إجراءات تدخل عريضة بشأن الفقر المائي بالطريقة التي تجعلها لا تؤثر فحسب على تنمية الموار المائية وإدارتها بل يمتد تأثيرها أيضا ليشمل تقديم خدمات الإمداد بالمياه. وتتمثل المجالات ذات الأولوية في: (أ) تخطيط وإدارة الأمن المائي؛ (ب) تحسين تقديم الخدمات؛ (ج) تحسين آليات الحوكمة وجمعيات مستخدمي المياه.

مواطن القوة في إقليم كردستان العراق والمضي قدما إلى الأمام

19.             يتمتع إقليم كردستان بمواطن القوة والفرص المتاحة لانتشال الاقتصاد من براثن العجز المالي ووضعه في مسار النمو المتوازن القابل للاستمرار.  وتشمل جوانب القوة: (أ) الموارد الكبيرة من النفط والغاز؛ (ب) الأراضي الزراعية الخصبة؛ (ج) السكان الشباب؛ (د) الموقع المركزي في مفترق طرق التجارة؛ (هـ) الحكومة المصممة بعزم على تنفيذ الإصلاحات؛ (و) مجتمع المانحين التواق إلى تقديم المساعدة؛ (ز) روح المبادأة وريادة الأعمال لدى سكان الإقليم؛ (ح) الموقع المستقر نسبيا في الوقت الحاضر مما يتيح ممارسة أنشطة الأعمال بالمقارنة ببقية مناطق العراق. وفي حالة استخدام الفرص وجوانب القوة هذه بكفاءة وفاعلية في بيئة السياسات الداعمة والمؤازِرة، فإن لدى الإقليم فرصة جيدة في التغلب على الصعوبات الحالية وبناء اقتصاد أكثر تنوعا وتحقيق نمو مرتفع أكثر قابلية للاستمرار في المدى المتوسط إلى الطويل.

20.             يتطلب تسريع النمو وتنويع اقتصاد إقليم كردستان جهد فوريا عاجلا في القطاعات الرئيسية من الاقتصاد.  يمكن أن تبدأ الحكومة في تنفيذ عملية الإصلاح التي ينبغي أن  تتضمن إعادة الهيكلة القطاعية ومزيدا من تطوير الإطار القانوني والتنظيمي اللازم لاقتصاد السوق. ويجب تنفيذ  كافة الإصلاحات القطاعية معاً على النحو الذي يكفل جودة التسلسل. ويرجع ذلك إلى أن فعالية الإصلاح في قطاع ما غالبا ما تتوقف على نجاح الإصلاح في القطاعات الأخرى من الاقتصاد. وسوف يتم مراعاة هذه الروابط والصلات في الإقليم من خلال ترتيب التسلسل وتنسيق الإصلاح فيما بين القطاعات المختلفة. وتقدم خارطة الطريق هذه إصلاحات قطاعية متماسكة على صعيد السياسات لكي تقوم الحكومة بتنفيذها.

تخفيف الآثار الاجتماعية السلبية وبناء نظام قوي للحماية الاجتماعية

21.             تتمثل الأولوية العاجلة في تحقيق استقرار الاقتصاد بدون إحداث المزيد من الهشاشة الاجتماعية والسياسية. يندرج تعزيز آليات الحماية الاجتماعية وتزويدها بأدوات جديدة للتصدى للظروف الطارئة ضمن الأولويات بالغة الأهمية أمام الحكومة. ونظرا للظروف الطارئة المحيطة، فإنه يجب أن تأتي الحماية الاجتماعية على رأس الأولويات في المدى القصير. وينبغي تقوية آليات الحماية الاجتماعية القائمة وتزويدها قدر الإمكان بالتجهيزات والأدوات الجديدة اللازمة لمواجهة الأزمة الاجتماعية والإنسانية الحالية. وقد وضعت الحكومة مؤخرا إطارا قويا للحماية الاجتماعية من أجل حماية الفقراء والفئات الضعيفة والمحرومة. وبالإضافة لذلك، يقترح برنامج الإصلاح طائفة من الإجراءات التي يجب تقييمها بعناية لتحديد الفئات السكانية الضعيفة المحتمل تأثرها بالإصلاح وتقدير حجم التأثير السلبي على الرعاية الاجتماعية. وبصفة خاصة، من المحتمل أن الإجراءات المرتبطة بالتغيرات والزيادات في معدلات الضرائب؛ والخفض والإنهاء التدريجي لإعانات دعم أسعار البترول والكهرباء والقمح والمستلزمات الزراعية ستؤدي إلى أثر سلبي على الأسر المعيشية غير ميسورة الحال. وعلاوة على ذلك، ونظرا لحجم القطاع العام الذي يعمل به أفرادٌ ذوو مستويات تعليمية مختلفة، فإن بعض الإصلاحات المقترحة للخدمة المدنية، مثل ترشيد التوظيف في القطاع العام، يمكن أن تكون لها آثار سلبية على غير ميسوري الحال.

22. ثمة حاجة إلى حماية الفقراء والشرائح الضعيفة والمحرومة. سوف تؤثر الإصلاحات المقترحة على فئات سكانية مختلفة بطرق شتى. ولذلك، يجب إجراء تمرين تحليل الفقر والأثر الاجتماعي من أجل فهم حجم وطبيعة الآثار المترتبة على برنامج الإصلاح ككل. ومن شأن هذا التمرين التحليلي أن يساعد في تقدير حجم تحويلات التعويضات اللازمة لحماية الفقراء والفئات الضعيفة والمحرومة على النحو القابل للاستمرار ماليا. ويمثل تحديد الفئات المستهدفة التحدي الرئيسي لشبكات الأمان الاجتماعي. علما بأن الفئات المستهدفة المستخدمة في إقليم كردستان لا تعطي أي اعتبار لخط الفقر أو حجم الأسرة المعيشية مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى التسرب. إذ يتم تخصيص 150 ألف  دينار عراقي للأسرة المعيشية المستفيدة بصرف النظر عن حجمها أو وضعيتها المقاسة بخط الفقر أو مستوى الاستهلاك. وتُستخدم لأغراض التحويلات النقدية فئات اجتماعية عريضة بدلا من آليات الاستهداف الأكثر نجاعة وفاعلية  في تحديد أهلية الاستحقاق، وهو ما يفسر أسباب عدم استفادة أغلبية الفقراء من هذا البرنامج. وفي ظل هذه الحالة، لا يستفيد حاليا سوى 11 في المائة فقط من الخُميّس الأدنى من تلقي هذه التحويلات النقدية. وفي الوقت الراهن، يجري وضع ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﺧﺘﺒﺎر ﻣﺼﺎدر اﻟ اﻟﺒﯾﻠﺔ ﻛﺒ اﻻﺳﺘﻼك من أجل تحديد أهلية الاستحقاق في سياق برنامج شبكات الأمان التي تستهدف خدمة الفقراء، وتجري المناقشات حول تحوّل شبكة الأمان الاجتماعي من استخدام برنامج الاستهداف الفئوي إلى استخدام برنامج لتحديد الأهلية على أساس معادلة اختبار مصادر الدخل البديلة. وسوف يتم تعزيز نظام شبكات الأمان القائمة على الاستهداف عن طريق السجل الموحد والحوكمة المبنية على الشفافية والإنصاف وآليات معالجة وتسوية المظالم.

23.               تعرض إقليم كردستان، حتى قبل الأزمة، لمواجهة تحديات إصلاح نظام الحماية الاجتماعية.  ويواجه الإقليم المهمة الشاقة لزيادة حجم وديناميكية القطاع الخاص الذي يُتوقع أن يكون مصدرا لمعظم النمو في تشغيل العمالة مستقبلا. وتنبع تحديات التوظيف من صغر حجم القطاع الخاص والنمو السريع للقوة العاملة بسبب النمو السكاني الطبيعي والأحداث الجيوسياسية. وتصل نسبة التشغيل إلى عدد سكان الإقليم إلى 22 في المائة وهي مماثلة للمتوسط الخاص ببلدان منطقة الشرق الأوسط باستثناء دول الخليج العربي. وتتأثر نسبة التشغيل إلى حد كبير  بالانخفاض الشديد في نسبة المشاركة في القوة العاملة من جانب النساء في سن العمل (15-46 سنة) والتي تبلغ 14 في المائة ويمكن أن ترتفع إلى 17 في المائة في حالة استثناء الطالبات.

24.             يعتبر نظام معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية نظاما غير قابل للاستمرار في إقليم كردستان حيث يعاني من انخفاض مستوى التغطية والافتقار إلى الكفاءة والفعالية. في عام 2014، بلغ إجمالي الإنفاق على المعاشات التقاعدية في الإقليم ما يقدر بنحو 1.3 تريليون دينار عرافي (أو 2.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي) وهو مستوى مرتفع بالمقارنة بالاقتصادات الأخرى ذات المرحلة المماثلة لتركيبة أعمار السكان. ويغطي نظام التأمينات الاجتماعية في الإقليم أكثر من 50 في المائة من القوة العاملة. ولكن معظم هؤلاء يعملون في القطاع العام. ويفتقر إلى هذه التغطية في القطاع الخاص حوالي 84 في المائة من القوة العاملة. كذلك يحصل حوالي 50 في المائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة في الإقليم على مزايا من نظام المعاشات التقاعدية (ومعظم هؤلاء من العاملين السابقين في القطاع العام). ويعتمد باقي كبار السن على الرعاية غير الرسمية أو التحويلات الحكومية المقدمة كمساعدة اجتماعية (شبكات الأمان الاجتماعي لغير المشاركين في دفع الاشتراكات). ويمكن تلخيص التحديات الئيسية الماثلة أمام نظام التأمينات الاجتماعية في الإقليم في أربع نقاط: (أ) انخفاض القدرة الإدارية؛ (ب) افتقار البرامج إلى الإنصاف وعدم قابليتها للاستمرار من الناحية المالية؛ (ج)  تشظي النظام مما يؤدي إلى تشوهات في سوق العمل فيما بين القطاعين العام والخاص؛ (د) معاناة النظام من تدني مستوى التغطية في القطاع الخاص.

25.             لمعالجة التحديات سالفة الذكر، قامت حكومة الإقليم بتحديد معالم إطار إستراتيجي طموح لإصلاح الحماية الاجتماعية في الإقليم. ويضطلع الإطار الإستراتيجي للحماية الاجتماعية بمساندة تنفيذ هذا الإصلاح من خلال حزمة متكاملة من الإستراتيجيات والتشريعات والمؤسسات والبرامج. وتنسجم الإستراتيجيات المقترحة مع الأولويات السياسية في الرؤية لعام 2020 وتطرح الآليات اللازمة للتنفيذ. ويمكن استعراض هذه الإستراتيجيات على النحو التالي: (أ) تقوم الحكومة بتهيئة عرض فعال للعمل للباحثين عن الوظائف ذوي الجاهزية العالية والعمال المهرة من نظم التعليم والتدريب والحوافز التشجيعية المبنية على اعتبارات السوق؛ (ب) تتخذ الحكومة التدابير اللازمة للحد من الازدواجية بين التشغيل في القطاع العام وفي القطاع الخاص حتى تسهم في بناء قطاع خاص أكثر ديناميكية؛ (ج) تضع الحكومة الأطر التنظيمية والمؤسسية المبنية على تحليل البيانات الزمنية وسياسات التشغيل المصممة جيدا والحوار البناء فيما بين الشركاء الاجتماعيين؛ (د) تقوم الحكومة بتنفيذ الإصلاحات البارمترية اللازمة للخطط والبرامج الراهنة لضمان الاستدامة المالية والمضي قدما نحو تطبيق خطط المعاشات التقاعدية المتكاملة للقطاعين العام والخاص (والمهن الأخرى)؛ (هـ) تقوم الحكومة بتصميم وتنفيذ آليات تقليدية وبديلة من أجل توسيع نطاق التغطية في نظم المعاشات التقاعدية والتأمينات الاجتماعية؛ (و) تقوم الحكومة بتصميم وتنفيذ برنامج التأمين ضد البطالة؛ (ز) تستخدم الحكومة الفقر كمحدد رئيسي لأهلية استحقاق الاستفادة من برامج شبكات الأمان الاجتماعي (بما في ذلك نظام التوزيع العام) وتوفير رعاية اجتماعية فعالة للفئات الضعيفة والمحرومة؛ (ح) تقوم الحكومة بحماية رأس المال البشري عن طريق تقديم الحوافز المشجعة على تحسين خدمات الصحة والتعليم.

المخاطر الماثلة أمام برنامج الإصلاح

26.             ثمة مخاطر كبيرة يمكن أن تهدد نجاح برنامج الإصلاح وهو برنامج طموح واسع المدى من حيث آثاره وانعكاساته. وتتراوح هذه المخاطر بين التهديدات الأمنية إلى التحديات السياسية والاقتصادية. كذلك يمكن أن تستمر التوترات بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تستمر أيضا التوترات السياسية بين الأحزاب السياسية الرئيسية في الإقليم. وعلى التوازي من ذلك، تظل المخاطر الأمنية كبيرة ولا يستهان بها، حيث أن تستمر داعش في فرض تهديدات أمنية على الإقليم. وربما يؤدي احتمال قيام الجيش العراقي باستعادة الموصل إلى زيادة المشردين داخليا النازحين إلى الإقليم. وبالإضافة لذلك، ما زالت أسعار النفط منخفضة منذ فترة طويلة مما يحد من المجال المتاح لارتفاع الإيرادات المالية والنمو الاقتصادي. وفي حالة تحقق هذه المخاطر أوأي منها، فإنها ربما تؤثر على تقدم برنامج الإصلاح واستمراره.

طريقة تصميم هذا التقرير

27.             تم إعداد خطة العمل التفصيلية المبينة في خارطة طريق الإصلاح استنادا إلى الأهداف الإستراتيجية التي ناقشناها أعلاه.  ويبني هذا العمل على المشاركة المثمرة لفرق عمل مجموعة البنك الدولي مع الوزارات الرئيسية، والقطاع الخاص، والدوائر العلمية والأكاديمية، والشركاء الدوليين مما أسفر عن إعداد تقييمات فنية متعمقة وعمل تحليلي بشأن جميع قطاعات الاقتصاد بالإضافة إلى الأثر المتنامي لعمل مؤسسة التمويل الدولية في قطاعات مختلفة في الإقليم. أما الاستنتاجات والتوصيات على صعيد السياسات المنبثقة من العمل التحليلي المبني على الشواهد والأدلة فترتكز على المشاورات الشاملة مع الأطراف صاحبة المصلحة الحقيقية في الإقليم. ويتناول هذا التقرير قضايا اقتصادية واسعة النطاق مثل تنمية القطاع الخاص، ونظام التجارة والاستثمار،  وسوقالعمل، بالإضافة إلى القضايا القطاعية. ويقدم الفصل الأول من التقرير معلومات أساسية عن الأوضاع الاقتصادية الكلية بينما يعرض الفصلان الثاني والثالث الإجراءات المقترحة للإصلاح في المدى القصير في شكل تدابير متخذة لتصحيح وضبط أوضاع المالية العامة فضلا عن أهداف متوسطة الأمد لوضع أسس النمو الاقتصادي الاشتمالي المتنوع القابل للاستمرار. ويناقش الفصل الرابع الإجراءات التالية لإصلاح القطاع الاجتماعي من أجل معالجة الأزمة الاجتماعية والإنسانية الكبيرة الي يواجهها الإقليم في الوقت الحالي. ويركز الفصلان الخامس والسادس على قضايا الحوكمة وإجراءات الإصلاح التي تشمل المساءلة والإطار المؤسسي والرقابة القضائية. ويعرض الفصل الأخير أشكال التنفيذ المقترحة لخارطة طريق الإصلاح الاقتصادي الهيكلي على مدى ثلاث سنوات.





[1]  من أجل تحسين إدارة إيرادات النفط، وافقت حكومة إقليم كردستان العراق على قانون يقضي بإنشاء صندوق الثروة السيادية (قانون صندوق إيرادات النفط والغاز المعتمد في إبريل/نيسان 2015) الذي يمكن أن يساعد في مواصلة تنفيذ الهدف المزدوج لتثبيت الاقتصاد والادخار لتحقيق المستوى الأمثل للاستثمارات. ويحدد هذا القانون خمسة مجالات لمخصصات إيرادات النفط: الميزانية السنوية لإقليم كردستان، الإنفاق على الاستثمار، البنية الأساسية للنفط، حماية البيئة، وصندوق ثروة "أجيال المستقبل". وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح من شأنها أن تساعد أيضا في ترسيخ المساءلة والشفافية في إنفاق إيرادات الموارد الطبيعية. ومع ذلك، على الرغم من أن هذا القانون وذلك الصندوق يمكن أن يوفرا التجهيزات الأساسية اللازمة للإدارة المالية لإيرادات الموارد الطبيعية، إلا أنهما ليسا كافيان في حد ذاتهما. ولا بد من تصميم مبدأ بعناية لتشغيل هذه الأموال، مثل وضع قاعدة للمالية العامة، علما بأن إنشاء هذه القاعدة وتوفر الإرادة السياسية لمتابعة تنفيذ هذه المبادئ هما على نفس القدر من الأهمية.
[2]   يمكن أن يتوقع المرء ارتفاع مضاعف الرفع المالي في إقليم كردستان العراق لأن معدل ضريبة الدخل والميل الحدي للادخار منخفضان للغاية على النقيض من ارتفاع الميل الحدي للاستيراد.
[3]  في ديسمبر/كانون الأول 2014، تم التوصل إلى اتفاق جديد بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية بشأن تسوية الخلاف. وطبقا لهذا الاتفاق، تقوم حكومة إقليم كردستان بتصدير 550 ألف برميل يوميا عبر ميناء جيهان التركي (250 ألف برميل يوميا من الحقول الكردستانية و300 ألف برميل يوميا من الحقول الاتحادية) من خلال شركة تسويق النفط العراقية (سومو).وفي المقابل، تستأنف الحكومة المركزية تحويل 17 في المائة من ميزانيتها إلى حكومة إقليم كردستان. ولكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل، حيث لم تحصل حكومة إقليم كردستان على كامل حصتها البالغة 17 في المائة من ميزانية الحكومة المركزية، كما سلمت حكومة كردستان أقل من 550 ألف برميل يوميا إلى شركة سومو العراقية. واستمر الخلاف. وأخيرا، قامت الحكومة المركزية في شهر يونية/حزيران 2015 بتعليق هذه التحويلات، وأوقفت حكومة إقليم كردستان تسليم نفطها إلى شركة سومو واستمرت في التصدير بصورة مستقلة.

إصلاحات اقتصادية ستساعد على تحقيق النمو المستدام والاشتمالي في إقليم كردستان العراق

إصلاحات اقتصادية ستساعد على تحقيق النمو المستدام والاشتمالي في إقليم كردستان العراق Reviewed by ddddddd on 7/14/2016 12:07:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.